١٠ دروس من تونس: ممّا تعلّمنا في رايتس كون ٢٠١٩

بقلم: ليلى طه

 تضمّن مؤتمر رايتس كون لهذا العام  أكثر من ٤٥٠ جلسة تتناول جوانب مختلفة من آثار التكنولوجيا على المجتمع وحقوق الإنسان. المؤتمر، الذي تنظّمه آكسس ناو سنويّاً، عقد في تونس لعام ٢٠١٩، فكانت أوّل مرّة يكون فيها مقرّه  دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. رغم كثرة الدورس، والمشاركين (حوالي ٣،٠٠٠ شخص بحسب المنظّمين)، هنا شيء ممّا تعلّمنا من خلال الجلسات التي حضرناها.

(١)

بينما تستمر الحرب التجاريّة-السياسيّة حول شركة هواوي ومن سيبني شبكة الجيل الخامس، تفكّر المتحدّثين في جلسة بعنوان “الحرب السيبرانيّة والدّفاع في شرق أوسط هائج” بِالكَم الهائل من البيانات الشّخصيّة التي ستولّدها شبكة ستغيّر من طبيعة علاقتنا بالانترنت، وفي من سيتحمّل مسؤوليّة الدّفاع عن خصوصيّة بيانات المستخدمين من الحكومات والقراصنة وسط عولمة إنتاج التكنولوجيا وخدماتها. ففي الولايات المتّحدة الأمريكيّة مثلاً، تتّكل وزارة الدفاع على تكنولوجيّات عسكريّة وتجسّسيّة طوّرتها شركات تجاريّة، إلّا أنّها شركات أمريكيّة. وطُرِحت في الجلسة الكثير من الأسئلة التي بقيت في أذهاننا: ماذا تعني سيادة الدّولة عند اتّكالها على تكنولوجيّات مستوردة أو مصنّعة من قبل القطاع الخاص، من إدارة الخدمات الصّحيّة والاجتماعيّة إلى التكنولوجيا العسكريّة والتجسّسيّة؟ وهل ستصبح الهيمنة على بيانات الأفراد هي الوجه الجديد للاستعمار؟

(٢)

قالت ماريكه اسكاك، العضوة الهولنديّة في البرلمان الأوروبي التي وصفتها جريدة “الوال ستريت جورنال” ب “السياسيّة الأكثر اتّصاليّةً في أوروبا” بأنّ: اللائحة العامة لحماية البيانات” المعروفة ب (GDPR) أوجدِت لحماية المستخدمين الأوروبيين وبيانتهم، وتحتاج إلى آليّات المؤسسّات الأروربيّة حتى تعمل.

في الوطن العربي، وفي ظل غياب قوانين سيرانيّة محليّة تأخذ الدّفاع عن بيانات المواطنين في سياقها المعاصر، بل تقنّن من انتهاكاتها أحياناً، استفدنا من وجود هذه القوانين الآوروبّيّة لحماية خصوصيّة بيانات الأفراد بالمعيّة. (اقرؤوا: “كل ما تود معرفته عن اللائحة العامة لحماية البيانات GDPR”  – عبر البوابة العربيّة للأخبار التقنيّة). 

(٣)

أضحكت سعيدة كوزي  الحضور عندما أشارت بأنّ قانون “الجرائم الالكترونيّة” في تونس “متقدّم جدّاً إلّا أنّه تغافل العنف الرّقمي، بينما القانون المغربي بالعكس تماماً” يتغافل كل الأمور إلّا العنف الرّقمي، وكان ذلك في جلسة بعنوان “مسح خرائطي عن كيفية الإجابة عن العنف الممارس ضد النساء بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المغرب وتونس“. وعندما سأل أحد المشاركين في الجلسة عن تعريف العنف الرّقمي، أشارت الكوزي، وهي شريكة مؤسسة في منظمة “إمرأة”، بأنّه جرم ناشئ تحكمه قوانين ناشئة، لكنّ المنظّمة تعتمد تعريف الأمم المتّحدة له. (اقرؤوا: “ما هو العنف وما هي الإساءة إلى النساء على شبكة الإنترنت؟” – عبر منظّمة العفو الدّوليّة). 

(٤)

“التحرّش أمر سياقي للغاية” قالت كارولين سندرز، مصمّمة وباحثة. وهنا نتفكّر في كيف أصبحت كلمتي “شوي، شوي” في السياق الأردني تكفيان للتّجريح بالممثّلة الأردنيّة الشّابة هنا ملحس، لأنّها تقول “شوي شوي” لصاحبها فهد حين يقبّلها بنهم في مسلسل جن من إنتاج نتفليكس (والتي بدورها هدّدت المتنمّرين بتهديد فارغ تماماً كنوعيّة النّقد الذي وُجِّه للمسلسل الذي أنتجته.) إذن، كيف لشركات أمريكيّة ربحيّة مثل نتفلكس، أو تويتر، أو فيسبوك فهم التنمّر أو العنف الرّقمي في سياقاته المحليّة؟ تجد سندرز أنّ الحل قد يكمن في أن يمنح تصميم المنصّات المستخدمات والمستخدمين المزيد من الصلاحيّات في خلق إعدادات الخصوصيّة التي تناسبهم. في جلسة بعنوان: “الدّفاع ضد الفنون المظلمة: حملات الميمات والحروب الدّعائيّة”، طرحت سندرز مجموعة من الأسئلة في هذا السياق: لماذا  تكون البوستات إمّا عامّة أو خاصّة، أليس هناك ما هو شبه خاص أو شبه عام؟ لماذا لا يمكننا منع التعليقات منل بعض المنشورات التي نشاركها كأفراد، أو تحرير التعليقات مثلاً على صفحاتنا الخاصّة؟ 

أحد الرّدود من السّعوديّة على تهديد حساب نتفلكس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للمتنمّرين.

(٥)

في الجلسة ذاتها، قدّمت وفاء هيكل، مديرة البرنامج في منظّمة ميدان، أداة Check من تطوير المؤسّسة ذاتها، وهي أداة للتعاون في تقييم مصداقيّة أي محتوى إخباري بهدف الحد من الانتشار السّريع للشائعات والمعلومات الخاطئة. وذكرت بأنّ الأداة تعمل على التحقّق من الصّور والميمات أيضاً، حيث تمكّن المستخدمين من القيام ببحث عكسي للصور (Reverse Image Search) وهي عمليّة رفع صورة معينّة للبحث في مواقع، وتواريخ، وسياقات نشرها (أو صور شبيهة بها) سابقاً. وفي مجال الاستقصاء في مصداقيّة المحتوى البصري، نوّهت هيكل بأهميّة النّظر في السياق الكُلّي حول صورة ما، وعدم الاكتفاء بتفحّص محتوى الصّورة ذاتها. فيمكن النّظر مثلاً إلى: موقع نشرها، النّسبة إلى المصوّر(ة)، الشّرح أو التعليق أدنى الصورة، وكذلك التمعّن فيما إذا كان هناك أي تعديلات مصطنعة في الصورة ذاتها عن طريق البحث عن تغييرات بصريّة غير طبيعيّة في الألوان، أو معالم المكان، أو الإضاءة مثلاً.     ( لمعرفة آخر المستجدّات في التحقُّق، الآخبار التضليلّة و Check: تابعوا نشرة The Checklist بالانجليزيّة من تحرير وفاء هيكل وتوم تروينارد )

(٦)

في جلسة بعنوان “الخوف، الاحتكاك، والاكتساح: نماذج جديدة من الرّقابة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا – في حالة البحرين، مصر، إيران، وتركيّا”، عبّر الناشط البحريني ومستشار الأمن الرّقمي محمد المسقطي، الذي حاز في المؤتمر على تكريم “بطل” في تقييم آكسس ناو السنوي “أبطال وأشرار حقوق الإنسان”، عن استيائه من رد تويتر على تهديد وزارة الدّاخليّة البحرينيّة بمعاقبة متابعي”حسابات تروّج الفتنة”. حيث أشارت الشركة بأنّ قيام المستخدمين بإنشاء قوائم خاصّة سيجنّبهم الوقوع في مشكلة كهذه!  (زوروا موقع الحماية الرّقميّة الذي أسّسه المسقطي: https://digital-protection.tech)

ترجمة التغريدة: هؤلاء الذين يتابعون حسابات تروّج الفتنة ويعيدون نشر رسائلها سيتحمّلون المسؤوليّة القانونيّة.

(٧)

في الجلسة ذاتها ذكر المسقطي، الذي يعمل في منظّمة فرونت لاين ديفندرز، بأنّ التحالفات السّياسيّة الإقليميّة الموجودة على الأرض تترجم نفسها في فضاء الانترنت، حيث حملات الرّقابة الرّقميّة بأشكالها الجديدة متشابه جدّاً في ائتلاف السّعوديّة والبحرين والإمارات ومصر، فيحجبون ذات المواقع، ويستخدمون قوانين مشابهة في معاقبة التّعبير عبر الوسائل الرّقميّة – وهذا ما انتهى بنعت البحرين ب”جزيرة الريتويت” من قبل قطر. ويتجلّى الأمر كذلك في الحروب الدّعائيّة واكتساح الهاشتاجات بين هذه الدول. كما أضاف المسقطي أنّ الإمارات مثلاً حاولت اختراق الحساب الشّخصي لأمير قطر، وبأنّها قدّمت لمصر نظام تجسّس مصنّع من قبل الشركة الفرنسيّة Nexa أو Amesys سابقاً كهديّة، بعد تولّي الجنرال عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في ٢٠١١. 

(٨)

ذكر آلب توكر، المدير التنفيذي لمنظّمة نت بلوكس، وهي أحد مؤسّسات المجتمع المدني التي تعمل على توثيق حالات حجب الانترنت حول العالم، بأنّ تعريف “حجب أو إغلاق الانترنت” أصبح أكثر تعقيداً من ذي قبل، حيث تزداد تكتيكات التلاعب في الانترنت من وراء الكواليس: من حجب لخدمات معيّنة في تطبيق معيّن (مثلاً الاتصال عبر واتساب) إلى حجب الخدمة في أماكن جغرافيّة دون غيرها. ويحدث هذا عادةً في ظل غياب تام للشفافيّة سواء من طرف القطاع العام أو الخاص، ممّا يضع عبئ تجميع الأدلّة عن حجب الخدمة وآثارها السلبيّة على حياة الأفراد على عاتق المستخدمين ومؤسّسات المجتمع المدني (على أمل استخدامها في المستقبل في رفع القضايا القانونيّة). 

(٩)

في جلسة بعنوان “تحذير! الاتصال بالانترنت معطّل لأسباب أمنيّة – نقاش في مدى فاعليّة سياسات إغلاق الانترنت“، تكلّمت نت بلوكس عن أداة “كوست” التي طوّرتها بالتعاون مع مجتمع الانترنت لتقدير الأثر الاقتصادي لحجب الانترنت (والتي يمكن فلترتها بحسب الدّولة والمنصّات الاجتماعيّة) لإقناع الحكومات بأهميّة توفير الانترنت بلا انقطاع في زمن الاقتصاد العالمي الرّقمي. وهنا نوّه توكر بأنّ هذه الأداة تقيس العبئ الاقتصادي للحجب في فترة الحجب فقط، ولا تقيس المدى الاقتصادي البعيد للحجب. وأضافت المتحدّثة في الجلسة أيضاً، آشنا كاليميرا، وهي مسؤولة البرامج في منظّمة سيپيسا التي تُعنى بسياسات قطاع التكنولوجيا والمعلومات في أفريقيا، بأنّ مساهمة قطاع التكنولوجيا والمعلومات في الاقتصاد تكون رسميّة وغير رسميّة، والتي هي مهمّة جدّاً أيضاً. وقدّمت مثال عن استخدام النّساء لتطبيق واتساب في أوغندا لتقديم خدمات غسل الملابس، فيكون قياس الأثر الاقتصادي لحجب الانترنت عليهن في حالة كهذه أمر معقّد للغاية.

 

(١٠)

وفي آخر يوم من أيّام المؤتمر، حضرنا جلسة بعنوان “سياسات التكنولوجيا، الذّكاء الاصطناعي، والاستثمار في دول الخليج: نهج للتطوّير أم للبؤس الرّقمي؟”، وهنا شاركت المتحدّثتان جيسيكا دير من سميكس وعفاف عبروقي من الأصوات العالميّة مخاوفهنّ حول زيادة استثمار دول الخليج في انترنت الأشياء رغم غياب إطار قانوني محلّي وإقليمي يحمي خصوصيّة المستخدمين وبياناتهم. وذكرت درير بأنّ المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة لم توقّعان على “العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة”، وبأنّ المحكمة العربية لحقوق الإنسان والتي مقرّها البحرين غير فعّالة في الواقع، وأنّ ٤ أو ٥ دول عربيّة فقط لديها قوانين تحمي البيانات – رغم غياب أي آليّة لتطبيقها. في الوقت ذاته استثمرت السّعوديّة ٣.٥ مليار دولار في أوبر، وتبني أمازون مركز للبيانات في البحرين، بينما تستخدم الإمارات الذّكاء الاصطناعي لمعاقبة سائقي الباصات المتكاسلين.  (اقرؤوا مدوّنة عبروقي التي تعمل كباحثة أيضاً في منظّمة “رانكنج ديجيال رايتس”   بعنوان: “فشلت شركات الاتصالات في المناطق العربيّة في احترام الحقوق الرّقميّة للمستخدمين” – EN) 


تعليقات؟ أسئلة ؟ متابعة؟ تواصلوا معنا: hala@asl19.org

     

راسلونا على

تابعونا

الإشتراك